تعرّفوا على فريق عملنا: خواطر من الميدان

مايو 21, 2020

إخوتي وأخواتي الأعزاء،

 اسمي فراس الخطيب، وأنا أعمل في المفوضية منذ خمس سنوات، عملت خلالها في كل من سوريا وبنغلاديش، حيث التقيت وتعرّفت بمئات العائلات السورية وعائلات الروهينغا اللاجئة. وأودّ اليوم أن أشارككم خواطري هذه لعلّها تعطيكم لمحة عن جهودنا لمساعدة اللاجئين وعن بعض المعاناة والألم، بل والأمل الذي يمرّون به، وعن الأثر التي تتركه قصصهم فينا.

 في سوريا، حيث هناك أكثر من ٦ مليون نازح داخلي، تعيش العائلات اللاجئة في ظروف تتفاوت ما بين الصعبة والمأساوية. فقد أجبر هؤلاء على ترك رغد الحياة التي اجتهدوا لتحقيقه وانتقلوا للعيش إما في مراكز الإيواء أو في المدارس أو في بيوت لم يكتمل بناؤها بعد، ولا يوجد لديهم سوى شوادر بلاستيكية لتحميهم من الأمطار والثلوج وحرّ الصيف.

 كانت هذه العائلات تعيش حياة طبيعية قبل الأزمة، لهم منازل بحدائق مشجّرة، وكانوا يذهبون في نزهات يوم الجمعة، ومنهم من كان يسافر للسياحة. ولطالما امتلأت موائدهم بما لذّ وطاب لا سيما في الأعياد والمناسبات.

 حياة الكثيرين من هؤلاء تغيّرت وقد كنت شاهداً كيف أصبحوا يطهون طعامهم البسيط في أقبية المباني او في كراجات قديمة أو في داخل الخيم. لكن قصة العائلة التي سأخبركم عنها الآن تركت أثراً كبيراً في نفسي.

 التقيت بالجدّة مريم، 72 عاماً، أثناء زيارة ميدانية لمخيّم “الكراجات” في طرطوس، وهي المعيلة الوحيدة لأسرتها المؤلفة من أحفادها الأربعة الأطفال الذين أيتمتهم قذيفة أصابت منزلهم في حلب بعد أن أودت بحياة الأم والأب، وأجبرت الأسرة على النزوح.

 في ليلة واحدة انقلبت حياة هؤلاء الأطفال وجدّتهم من حياة هانئة وآمنة إلى حياة شقاء وتعب، وبدا المستقبل بالنسبة لهم أكثر غموضاً. كان الأسى والبؤس واضحين على معالم الجدة والأطفال الذين لم يألفوا المكان ويفتقدون ابويهم.

 قالت لي مريم التي تعاني من مشاكل صحية: “لا أدرى كم سنة بقت لي في هذه الحياة ولا اعرف لمن سأترك هؤلاء الاطفال، سأرعاهم ما حييت والباقي عند رب العالمين”.

 أثّرت قصة تلك الاسرة فيّ كثيراً، وقررت أن أذهب لزيارتهم كلّما زرت طرطوس لأطمئن عليهم. بعد ستة أشهر، قمت بزيارتهم لأجد أن وضعهم تحسّن قليلا، إذ انتظم الاولاد بالدراسة وبعد ان تلقّوا الدعم النفسي الاجتماعي من المفوضية، رأيت في عيونهم بريقاً لم يكن موجوداً في المرة الأولى. كما زرتهم بعد عام أيضاً ، وكان أمورهم أفضل.

 لست على اطلاع اليوم حول أحوالهم سيما وأنني قد انتقلتُ للعمل في بنغلاديش، لكنني أتمنّى أن يطيل الله في عمر هذه الجدة لترعى وتحتضن هؤلاء الأطفال، فإنّ فقدان الأبويين أمر بالغ الصعوبة على الأطفال، ولن يجدوا رعاية أفضل من رعاية أحد أفراد أسرتهم ليمنحهم الحنان والحب والطمأنينة التي خسروها.

 قصص عديدة أثّرت فيّ أيضاً منذ انتقالي للعمل في بنغلاديش، لكن المأساة واحدة: نزاعات مسلحة تستهدف المدنيين وتفرّق العائلات وتحرم الابناء من ذويهم.

 معاً نعمل لنمنح الآلاف فرصة بمستقبل أفضل.

 فراس الخطيب
مسؤول اعلام مفوضية اللاجئين بنغلاديش