لقد غيّر العمل مع اللاجئين فيّ ما لم تغيّره 33 سنة

مارس 25, 2021

كثيراً ما يقول لي الأهل والأصحاب بأني متفائل ولا أقطع الأمل رغم أني أعيش في أحد بلدان المنطقة التي تواجه منذ فترة ظروفاً اقتصادية صعبة جداً. وبعد زواجي انضمّت زوجتي لهذه المجموعة، وكم من مرة سألتني وتسألني: ألا تفكّر بالرحيل أو الهجرة؟ ويصبح التعجّب في صيغة سؤالها بحسب الخبر السيء الذي نتلقّاه. من أين تأتي بهذا الأمل؟

أتعلّم الأمل من صبر وعزيمة اللاجئين

لطالما كنت راضياً بالواقع الذي أعيشه، ولا أوفّر جهداً لتحسينه وتحسين واقع كل من حولي. لكني لم أوقن ارتباطي بـ “ثقافة الأمل” يوماً كما أيقنته بعد انضمامي لمفوضية اللاجئين والعمل مع اللاجئين والتعرّف على قصصهم وواقعهم أكثر. فثقافة الأمل يصعب فصلها عن العرفان وشكر النعم، وعن الصبر والعزيمة وإرادة العيش. وكم استخدمت هذه المصطلحات في رسائل التواصل معكم يا أصدقاء المفوضية ويا رفاق درب اللاجئين! واليوم، يمكنني القول أكثر وبكل ثقة: إن ثقافة الأمل لديّ لم يكتمل معناها سوى بكلمة “الحمدلله”.

لقد غيّر العمل مع اللاجئين فيّ ما لم تغيّره 33 سنة.

لقد تعلّمت من عملي مع اللاجئين بأن الزكاة حقّ لمستحقّ، وبأن النعم معرّضة للفقدان وبأن العطاء هو السبيل كي لا يُترك ضعيف أو فقير أو منكوب للنسيان. أيقنت بأن الصبر مفتاح الفرج وبأن اللجوء إلى الأمان هو من حقوق الإنسان. تعلّمت النظر إلى المحتوى والمضمون الهادف والتعليمي على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي، ويبقى للاستمتاع أحيان. تعلّمت بأن الاحترافية والإتقان هما سبيل العمل الإداري الناجح. تعلّمت كيف تكون المآسي والمعاناة دافعاً للإبداع ومصدراً للإلهام. وكيف أن بعد كل دمعة بسمة وتعلّمت (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) وأن فطرتنا كبشر تقودنا نحو الإحسان.

منذ 4 سنوات تقريباً، حسمت أمري بترك عملي السابق الذي أمضيت فيه أكثر من 6 أعوام، بهدف الانضمام للعمل في المفوضية. لم يكن قراراً سهلاً بأن أترك الأصدقاء والزملاء ولحظات النجاح والمزاح، لكن رغبتي كانت كبيرة للعمل في المجال الإنساني وحشد الدعم للقضايا الإنسانية والمحقّة. وأصبحت أحد أفراد أسرة منصّة “أصوات مع اللاجئين” التي نتواصل من خلالها مع أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفوننا، لا لأجل شراء سلعة أو خدمة، فقط يجمعنا بهم أنهم ينوون العمل الانساني والخيري ونحن نحمل لهم قصص اللاجئين وقضيتهم المستحقّة لدعمهم.

فكيف لي ألا أرى الأمل وأتشبّث به، وقد أنعم الله عليّ بالتعرّف عليكم؟ أنتم أهل الخير الذين تصنعون بتضامنكم وعطائكم فارقاً في حياة من خسروا كل شيء في لحظة، وتشدّون على أيديهم بتعاطفكم وتكافلكم وهمّتكم كل يوم فتشاركوهم نعمتي الستر والأمان وترفعون عنهم ضيق العيش والحرمان، وأحسبكم أيضاً تستلهمون من عزيمتهم الهمّة في التحسين والإحسان.

هم خسروا كل شيء في لحظة، ومعاً بإمكاننا أن نكون لهم السند في كل لحظة كي يعيدوا بناء حياتهم لمستقبل أفضل.

رشاد خزعل

مسؤول المحتوى العربي الفنّي للتواصل الرقمي
في مفوضية اللاجئين.