كيف ستمضي الثواني في رمضان؟

أبريل 19, 2021

“مسيّل للدموع، مسيّل  للدموع… أغمضوا أعينكم وانبطحوا.” كانت هذه كلمات أمّي حين وصلنا إلى الحدود العراقية الأردنية أثناء فرارنا من الكويت خلال حرب الخليج الأولى.

كنت في السابعة من عمري، وفي تلك اللحظة، كانت المرّة الأولى التي أرى فيها الدموع على وجه أمّي وهي تصرخ بيأس من وجود مكان للفرار إليه أو إمكانية لفعل أي شيء. أخبأتنا في حضنها وغطّتنا بجسدها، وهذا ما كان يمكنها فعله كي تحمينا من أي مكروه. كان ذلك بعد قيادة السيارة لعدة أسابيع من الكويت إلى العراق ثم إلى الأردن حيث كان سيتمّ نقلنا إلى مصر  عائدين على متن الطائرات.

قبل تلك اللحظة، لو سألتموني عن معنى الأمومة، فكنت سأصفها بكلمة واحدة: الالتزام. أما اليوم، لو عشت تلك الرحلة المرعبة بنفسي كأمّ، فسأصف الأمومة بأنها الحبّ اللامتناهي والتضحية – التضحية بنفسك وبكل شيء من أجل أغلى ناسك.أكثر

وهذا لا يختلف عند الأمهات اللاجئات.

في العام 2017، شاءت الأقدار أن ألتقي بإحدى الأمهات اللاجئات من الروهينغا في بنغلاديش، ولا تزال قصّة لجوئها القاسية من ميانمار محفورة في ذاكرتي حتى هذا اليوم. كانت حُبلى بطفلها الثاني في شهرها السابع حين شاهدت أباها والعديد من أفراد عائلتها يُقتلون، واستطاعت الفرار مع ابنها ذو السنوات الأربع بعد الاختباء لـ11 يوماً، إلى أن استطاعوا العبور إلى بنغلاديش بأعجوبة. ظلّت تقول لنفسها بأن عليها أن تبقى قوية وهادئة لسلامة أطفالها بالرغم من فظاعة ما شهدت وألم الفقدان. كانت عزيمتها رائعة وشجاعتها لا تعرف حدوداً، وكان حبّها فدائياً. لقد رأيت أمي في عيونها ورأيت نفسي في طفلها. أدعو لهم كل يوم ولكل من بحالهم، وأتعهّد بأن أفعل ما يلزم لضمان أن يعيشوا بكرامة فيما تستمرّ حياتهم كلاجئين.

نحن في رمضان الآن، وأي وقت أفضل لنا للتأمّل في أثر أعمالنا! ملايين الأمهات اللاجئات والنازحات تستقبل الشهر الفضيل في ظروف صعبة جدّاً. ومع الأسف، فإن وباء كوفيد-19 قد فاقم ضعف أحوالهم أكثر، حيث لا تزال الكثيرات مفترقات عن عائلاتهنّ وغير قادرات على تأمين احتياجاتهنّ الأساسية، بل تُجبَرن على سحب أطفالهنّ من المدارس وتضطررن للبقاء بلا طعام من أجل إطعامهم. الأمهات هنّ عماد العائلات، سواء كانت مهجّرة أو لم تكن. وكواحدة منهنّ، فأنا أعرف جيداً مدى صعوبة العجز عن إعالتهم أو تأمين احتياجاتهم. فالشعور بالذنب والعجز مدمّر ومحبط.

بالنسبة لي، فإن شهر رمضان شهر التفكّر والصبر  والثبات. هو شهر الكرم والرحمة والتعاطف. وهو أيضاً شهر  لمشاركة ما تملك مع الآخرين، ولو بالقليل. إنه واجب وفرض علينا كبشر أن نمدّ يد العون لأولئك الذين خُرِّبت حياتهم بالرغم عنهم. إن دعم الأمهات اللاجئات والنازحات سيعني تأمين إيجار المأوى أو وجبة إفطار مغذية ومياه نظيفة على موائدهم… سيعني أن يذهب أطفالهنّ إلى المدارس. وبالنسبة لهؤلاء الأمهات، فهذا يعني أيضاً أنه وبرغم الألم والأسى، ستتمكّنّ من كفاية أسرهنّ ومن إعالة أطفالهنّ خلال هذه الأوقات العصيبة.

رمضان شهر يتخطى الحدود والوقت، وفي شهر العطاء هذا، لنتعهّد بالقيام بكل ما نستطيع لأجل الإنسانية،  ولنعمل كي يبقى أثر رمضان الطيّب دائم في حياة أطفالنا والأجيال القادمة.

استغرق الأمر ثوانٍ قليلة لتقلب حياة لاجئ رأساً على عقب، وستحتاج لثوانٍ قليلة أيضاً كي تشارك نِعَم الشهر الفضيل مع أسرة لاجئة خسرت كل شيء. كيف ستمضي تلك الثواني؟ #خيرك_يفرق في كل ثانية.

 

آيات الدويري

مسؤولة مكتب مفوضية اللاجئين في قطر.